-A +A
عزيزة المانع
وصف نائب وزير الاقتصاد والتخطيط، التوسع في إنشاء الجامعات ونشرها في مناطق المملكة بأنه ترف لا جدوى منه، فأغضب كثيرين فانهالوا عليه بالتهكم مرة، وبالنقد والتبكيت مرة، فهم يرونه جانب الصواب حين عد التعليم الجامعي ترفا، بينما هم يرونه ضرورة ملحة في هذا العصر.

ما بين وصف التعليم الجامعي بالترف، وما نراه في بداية كل عام دراسي من تزاحم خريجي الثانوية على الالتحاق بالجامعات، ولوم الجامعات التي لا تتمكن من قبول جميع المتقدمين للالتحاق بها، يوجد بون شاسع وتناقض كبير يحار المرء في تفسيره!!


فهل هذه المرة أيضا، خان التعبير معالي النائب عندما أطلق هذا الوصف على التعليم الجامعي؟ إن التعبير هذه الأيام لايوثق به وقد بات كثير الخيانة، فقد خانه من قبل حين وصف الوضع الاقتصادي لبلادنا بأنه مهدد بالإفلاس، فهل وقع النائب مرة ثانية ضحية خيانة التعبير؟

إني أرجح هذا، فما أظنه هو أنه أراد أن يقول إن التعليم الجامعي تعليم أكاديمي لا يصلح لكل أحد، وأن الناس يختلفون في ميولهم وقدراتهم ومواهبهم فليسوا جميعهم مؤهلين للتعليم الأكاديمي، ولذلك فإنه ليس من الضروري أن يحصل عليه كل أحد.

رغم أن هذا القول حقيقة علمية لا ينكرها منكر، إلا أنه كان ينقصه الإشارة إلى ضرورة توفير بديل للتعليم الجامعي يناسب أولئك الذين لا يصلح لهم التعليم الأكاديمي، فإيجاد نوع آخر من التعليم يمكنه أن يستوعب من لا يذهبون للجامعات هو ضرورة وليس ترفا.

لو أن معالي النائب ذكر أن وجود 28 جامعة حكومية جميعها تقدم تعليما أكاديميا هو سوء تخطيط، لأن هذه الجامعات تضم بين جدرانها كثيرا من المتعثرين وغير القادرين على المضي في دراستهم، وغالبا ينتهي بهم الأمر إلى أن يتحولوا إلى حملة شهادات غير متمكنين أكاديميا في مجالاتهم العلمية، وغير مؤهلين لسد حاجة المجتمع إلى المهنيين والفنيين، فيكونون عبئا على المجتمع حين يتحولون إلى مستهلكين غير منتجين بسبب عجزهم عن المشاركة بفعالية في القوة العاملة. وأنه من هذه الزاوية يكون الإنفاق على هذا العدد الكبير من الجامعات نوعا من الهدر، ومن الأجدى الاكتفاء بنصف العدد الحالي والاستفادة من المبالغ المتوفرة في تأسيس كليات ومعاهد عليا مهنية وفنية، ودفع مكافآت مالية مغرية للدارسين لتشجيع خريجي الثانوية ممن لا يجدون ميلا إلى التعليم الأكاديمي، على الالتحاق بها.

لو أن نائب الوزير قال هذا، لربما ما استاء الناس كل هذا الاستياء، ولوجدوا له عذرا. لكنها خيانة التعبير الذي بات لا يؤمن جانبه. هذا، والله أعلم!.